الزراعة تسدّ الجوع والصناعة توّفر الاحتياجات. "وتاريخ الصناعة هو كتاب مفتوح لقدرات الانسان" .كما كان يقول كارل ماركس.

ويتفق المراقبون على ان صحة الاقتصاد هي من قوة الصناعة وقدرتها على المنافسة وتحقيق الربح والمساهمة في انعاش الميزان التجاري بعد زيادة حجم الصادرات .  في العام 2014، واجهت الصناعة اللبنانية تحديات كبيرة اهمها صعوبة التصدير البري وارتفاع كلفة الشحن البحري  دون اغفال اعباء الكلفة التشغيلية. والصناعيون يتطلعون الى منظومة اقتصادية اجتماعية متكاملة، تحفز كل القطاعات الاقتصادية في ظل إمكانات متوافرة في لبنان.

واذ يتوّسم البعض خيراً في انخفاض اسعار النفط لانعكاسه على كلفة الانتاج  يرى فيه رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين د.فادي الجميل سيف ذو حدين ويفنّد نتائجه لـ"الاقتصاد" معتبراً انه موضوع اقتصادي بامتياز ويمكن ايجازه بـ:

اولاً:على الصعيد الوضع الاقتصادي، فان هذا الهبوط سيحسّن الوضع المعيشي ويرفع القدرة الشرائية لدى المواطنين بعد تراجع الفاتورة النفطية واشتراكات المولدات الى ما عداها من اعباء تشغيلية تعتمد بشكل اساسي على الطاقة .

ولا شك ان ذلك سيخفف من عجز الخزينة ويحسن ميزان المدفوعات.

ثانيا ً:بالنسبة للقطاع الصناعي، فان المستفيد الاول هي المؤسسات التي تعتمد الطاقة المكثفة حيث تشكل المحروقات 35% من سعر البيع فيها وهي قليلة لكنها مهمة مقابل مؤسسات صناعية اخرى تشكل فيها  أكلاف الطاقة 5.7 في المئة من سعرالبيع.

اذا ليس هذا التراجع من يحقق  المعجزة . فانخفاض اكلاف الطاقة المنتجة المكثفة انعكاساتها محدودة.

ثالثاً:على صعيد التصدير، فان تأثر الاقتصاد الخليجي المنتج للنفط بهذا الهبوط سيترك  تداعيات على البلدان التي يتم الاستيراد منها ولبنان هو احدها. وان انخفاض عائدات النفط سينسحب على حجم الانفاق وواردات هذه الدول.ومن المعلوم ان اسواق هذه الدول هي رئيسية للصناعات اللبنانية، مما قد يؤدي الى تراجع حجم التصدير.

وبموازاة هبوط  اسعار النفط  هناك استحقاق آخر امام الاقتصاد وخصوصا الصناعة اللبنانية  وهو تراجع سعر صرف اليورو،اذ يرى فيه د.الجميل عاملاً تنافسيا ً من شأنه تعقيد عملية التصدير بعد ما اصبحت المنتجات الاوروبية اكثر تنافسية في الاسواق.

ومن ابواب التصدير التي فتحت امام  الصناعة اللبنانية السوق الروسية حيث انها شكلت فرصة حقيقية للمنتجات الزراعية بدرجة اولى، ساهمت في اعدادها غرفة بيروت وجبل لبنان. ويلفت هنا  الدكتور الجميل الى ان الحصة الاكبر في السوق الروسية  هي للمنتجات الزراعية الا ان العمل جار من اجل فتح هذه الاسواق امام منتجات اخرى ولا سيما الصناعية منها ، على ان لا تبقى هذه الفرصة  محصورة في مرحلة مؤقتة وبسبب الظروف الدولية،وفي ضوء المقاطعة المفروصة على البضائع الاوروبية والاميركية. بل يجب ان تكون بشكل دائم لصالح تحسين  الميزان التجاري اللبناني.

ويقول د.الجميل: الاستعدادات جارية لدراسة متطلبات السوق الروسي وحاجاته خصوصا في ضوء تراجع سعرالروبل ، والضغوطات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد. ولا ننسى ان السوق الروسي كبير وقد لا نستطيع مدّه بالكميات الكافية، ولكن بالتأكيد بالنوعية الجيدة التي تتناسب والقوة الشرائية فيه.

يهمنا كثيراً التعرف على هذه السوق قبل اي خطوة لمعرفتنا المسبقة انها استهلاكية رخيصة اي لايمكنها استيراد السلع المكلفة ولكن الرخيصة ذات القيمة المضافة.

وفي اطار الخطوات التحضيرية الاستعدادات جارية لاقامة معرض في روسيا خلال الربيع المقبل. 

لا شك ان السوق الروسي كبير مع وجود 145 مليون مستهلك . وتوجيه التجارة  اللبنانية  نحو البوابة الروسية  او غيرها فرصة مناسبة على لبنان اقتناصها بحكمة، بما يسمح بالمحافظة على اي خط من الصادرات مع التراجع  الملحوظ  في حركة نمو القطاعات الاخرى لاسيما منها السياحية  .

باختصار فان فتح الاسواق الخارجية و هبوط  سعر النفط  عاملان مهمان  للاقتصاد سيما وان حسب المعلومات المتوافرة، يدفع لبنان سنوياً بما يقارب ال5مليارات دولار فاتورة نفطية. ونسبة 70% منها تذهب لكلفة الفيول  لزوم تشغيل معامل انتاج الكهرباء .

واليوم قيمة الاستثمار الأجنبي  في لبنان  ليست كبيرة. ويرتبط ذلك باشتداد التنافس على رؤوس الأموال الأجنبية بين مختلف الدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء من جهة، إضافة الى ظاهرة هجرة المصانع الأجنبية إلى خارج لبنان، للمشاركة في أسواق أكثر استقراراً وسلامةً.

من هنا فان المراهنة تبقى على القدرات الذاتية وربطها بالنجاحات اللبنانية في العالم وقوة الانتشار فيها من اجل ابعاد الارتدادات الخارجية قدر الامكان والحصول على نسبة نمو معقولة، مع اهمية لبننة الاقتصاد الذي يحتاج لخطة  طوارئ اقتصادية تعتمد على ضخ  حوافز مالية  جديدة لتكبير الاقتصاد على غرار ما تنفذه بعض الدول التي تعتمد على الاقتصاد الليبرالي، الى جانب تحقيق  الاصلاحات اللازمة، وترشيد الادارة، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم وربطها مع عالم الانتشار اللبناني وتحييد السياسة عن الاقتصاد.

الصناعة في لبنان  اثبتت كغيرها من القطاعات قدرة على الصمود حتى في وجه اكثر الازمات والحوادث صعوبة . وقد استحقت التقدير في الخارج  ورفعت اسم لبنان.وما تحتاجه اليوم للتفوق ودعم الاقتصاد سلة متكاملة من الاجراءات المساعدة يبقى على المسؤولين السير بها.