مع كل حادث ارهابي في لبنان او الخارج حصة يدفعها الاقتصاد اللبناني بمختلف قطاعاته.

ولاشك  ان القطاع المصرفي يتحمّل تداعياته مع مواجهة سلسلة ضغوطات مع مقاربات مختلفة عبر فرض قوانين لضبط تمويل الارهاب. وقد يتعرّض لضغوط، علما ان مصارف لبنان لم تتخّلف يوما عن الالتزام بتدابير المجتمع الدولي. وبعد حادثة "شارلي ايبدو"، وفي احد احاديثه، اكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة استحالة الولوج الى حال الازدهار في لبنان بعيدا عن الغرب، داعيا الى اقرار عدد من القوانين المساعدة ومنها: قانون لنقل الاموال عبر الحدود والتصريح عن المبالغ التي تفوق سقف 20 الف دولار، وقانون تبادل المعلومات في مجال التهرّب الضريبي  لافتاً الى انه لا خشية من اقرار القانون مع حماية السرية المصرفية التي يفترض الا تغطيالاموال غير الشرعية، وقانون لتوسيع جهود مكافحة تبييض الاموال.

وفي موازاة هذا التحصين ،لابد من  توّفر عامل مخزون السيولة لمواجهة الأزمات المصرفية الطارئة٬ حيث انه على كل مصرف  تأمين مخزون ملائم من السيولة والموجودات الحرة لمعالجة الازمات الضاغطة٬ مع ضرورة استباق الحدث مسفيداً من الدرس الأساسي الذي تم استخلاصه من الازمة المالية.

ومن المعلوم ان المصارف اللبنانية تعتمد على عامل التسليف في جزء  كبير من حركتها.

وفيما سجل تراجع لتسليفات المصارف للقطاع العام أو الدولة حوالي 0.3% خلال العام 2014 في تسعة أشهر، رغم تضخم العجز وتزايد حاجة الخزينة، وفي اطار حوافز مصرف لبنان الهادفة الى استلحاق النمو المفقود في غياب الاستثمارات الجديدة من جهة، وتحريك بعض القطاعات وتحسين فرص العمل المفقودة والمتراجعة بتراجع مختلف النشاطات التجارية والصناعية والزراعية والسياحية التي منها يتكون النمو الاقتصادي من خلال توسيع الاستثثمار،أطلق  المصرف مطلع العام 2013 برنامجاً تحفيزياً للتسليفات، شمل معظم القطاعات الاقتصادية وبخاصّة قطاع السكن، مُحاولاً إعطاء دفع جديد لعمليّة النمو الاقتصادي من خلال التسليف المصرفي بالليرة وبفوائد مقبولة. ووضع مصرف لبنان عبر مبادرته هذه نحو 1.4 مليار دولار بتصرّف المصارف بفائدة %1، لتستمرّ هذه الأخيرة في إقراض المؤسسات والأُسَر بهذه الآلية الجديدة بعد استنفاد آلية الاحتياطي الإلزامي، علماً أن المصارف تتحمّل وحدها مخاطر التسليف. وحدّد مصرف لبنان كذلك بنية إفادة الأنشطة الاقتصادية من آلية التسليف هذه مع سقف للفوائد المدينة لا يتعدّى 5 في المئة. واليوم هناك اتجاه جدي لدى المركزي  لتكرار هذا التدبير التحفيزي.

ماهي المخاطر المصرفية وكيف تتم مواجهتها؟

المحامي د.بول مرقص

المحامي د. بول مرقـص، رئيس لجنة الدراسات والشؤون المصرفية في نقابة المحامين في بيروت يلفت الى ان المصارف تختلف بطبيعتها عن سواها من المؤسسات المالية.

ومن المعلوم، أن المصارف اليوم لم تعد تلك التي عرفناها تقليدياً، بعد ما تطورت وتنوعت وتحدّثت وتعوّلمت وغيّرت النظرة إليها والدور الذي تقوم به.

وتنتمي المصارف إلى قطاع منظّم بدقّة. وإن استقرارها أساسي لحسن سير الإقتصاد الوطني لأنَّ النظام المصرفي يشكّل القلب بالنسبة لاقتصاد الدول. إلا أنَّ الأمر لا يخلو من أزمات وانتكاسات تتعرض لها هذه المصارف كون العمل المصرفي لا يخلو من المخاطر.

وبالفعل، إنَّ التطور التكنولوجي السريع في العمليات المصرفية منناحية، والتطور في استخدام الوسائل الإلكترونية والأدوات الإلكترونية من ناحية أخرى، أدى إلى زيادة وتنوّعا لخدمات المصرفية التي تقدمها المصارف من جهة، وازدياد مخاطرها من جهة أخرى.

فعولمة التبادل وظهور مناطق اقتصادية جديدة سريعة التطور والتنافس العالمي لعولمة الشركات فتح أمام المصارف باب مجازفات تختلف بطبيعتها وحجمها وتعقيدها عن تلك التى عرفتها المهنة المصرفية التقليدية.

ويقول الكتور مرقص لـ"الاقتصاد":تقلّب الأوضاع المالية في العالم جعل البيئة المصرفية ضعيفة وغير مستقرة مما أدى إلى وضع العديد من المصارف في دائرة الخطر وأثّر سلباً على نشاط المصارف وموقعها في السوق المالية العالمية.

تُعرَّف المخاطر المصرفية على أنها "احتمالية تعرُّض المصرف إلى خسائر غير متوقعة وغير مخطط لها". ويعكس هذا التعريف قلقاً ناتجاً عن عدم قابلية المصرف بالضرورة لتوقع المخاطر والآثار السلبية الناجمة عنها والتي تكون لها القدرة على إعاقة تحقيق أهدافها وتنفيذها بنجاح.

ولكن ما هو مصدره هذه المخاطر؟

يوضح د.مرقص: سواءٌ كان يتعلق بالإئتمان أو بنسب الفوائد أو بسعر الصرف فإن الخطر المصرفي هو من المواضيع المطروحة بقوّة راهناً.

وتنبع المخاطرة في العمل المصرفي من عوامل عدة كخطر عدم توافر السيولة،خطر تقلُّب سعر الفائدة،خطر تقلُّب سعر الصرف ، الخطر التشغيلي الداخلي للمصرف، ولعل أهمها عملية التسليف التي تقوم بهاالمصارف والتي تأتي في طليعة النشاط المصرفي.

فعملية منح القروض هي المصدر الأساسي للفوائد التي تجنيها المصارف وتشكل تالياً القسط الأكبر من إيراداتها. إلا أنه من الملاحظ أن العملية ذاتها هي المسبّب الأساسي للأزمات المالية التي تتعرض لها المصارف حول العالم، لاسيما عندما يتعذَّر إيفاء المبالغ الكبيرة من القروض المستحقة للمصرف.

لكن ما الذي يدفع بالمصارف إلى تعريض نفسها إلى هذه المخاطر؟

يعتبر الدكتور مرقص انه  من وجهة نظر مصرفية الجواب بديهي، لأن المخاطر المحيطة بمنح القروض كبيرة يقابلها ربحٌ مادي أكبر، لذلك،فإنه من الطبيعي أن تقبل المصارف بالمخاطرة بهدف تعظيم هذا الربح.

إلا أنَّ "المهنة المصرفية لا يمكن أن تكون مفتوحة أمام المتهورين والمغامرين"؛ فالمخاطرة المفرطة في إعطاء القروض من شأنه اأن تؤدي إلى أزمة سيولة ثم إلى ركود اقتصادي شامل. ذلك أن فشل أداء مصرف معيّن من شأنه أن يؤدي إلى فقدان ثقة عملاء بالقطاع المصرفي بشكل عام، فيتهافت عملاء على سحب أموالهم المودعة مما يؤدي إلى نشوء أزمة مصرفية تمتد إلى المصارف ذات الأوضاع السليمة أيضاً.

كما صارت الخشية إلى ذلك في ظروف صعبة مرّت بها البلاد لاسيما في الفترة الأخيرة مع ما شهده القطاع من أزمة البنك اللبناني الكندي.

لذلك، فإن سلامة ممارسة المهنة المصرفية تفترض على المصرف أن يمارس رقابة مشددة فاعلة تلافياً لحصول نتائج ضارة، فإذا كان الهدف من الدخول في المخاطرة هو جني أرباح أكبر إلا أن عدم إدارة هذه المخاطر بطريقة علمية صحيحة قد يؤدي إلى فقدان العائدات وإلى الفشل في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمصرف ويعرّض المصرف إلى الإنهيار.

اين هو الاندماج المصرفي في مواجهة هذه المخاطر؟

يقول د.مرقص:

لا يخفى على أحد أن التغيّرات الاقتصادية العالمية والوضع الاقتصادي والمالي الذي يعيشه العالم لاسيما الأزمات المالية الأخيرة التي كان سببها مخاطر لم تتم إدارتها بشكل سليم، هذه التغيّرات جعلت الدول ومن المفترض أن يكون لبنان في عِدادها، متيقظة أكثر حول ضرورة مقابلة هذا التطور والمخاطر المرتبطة به. لذلك بدأت الدول تسعى إلى التحكم في قواعد سير العمل المصرفي لتحسين نوعية الخدمات التي تقدمها المصارف وتعزيز قدرتها على مواجهة المخاطر والتحكم فيها حفاظاً على أموال المودعين، وهنا تندرج المعايير المنبثقة عن "اتفاقيات بازل"، إضافةً إلى إهتمامات اقتصادية أكبر للدول.

فيجب العمل على إرساء نظام مصرفي سليم ومعافى من خلال إرساء مؤسسات مصرفية على مستوى التحديات بحجم أموالها وإدارتها ومنحها الثقة المطلوبة، وهذا ما تحاول السلطات المالية والنقدية المختصة إيجاده وتوفيره، عبر إفساح المجال أمام إقامة مصارف كبيرة برؤوس أموالها وملاءتها عبر تشجيع المصارف على الاندماج وحثّها على اللحاق بركب التطور والتقدم.

كذلك أصبح من الضروري معرفة ومراقبة مستوى المخاطر التي تحيط بالعمل المصرفي ووضع الإجراءات الرقابية اللازمة للسيطرة على الآثار السلبية لهذه المخاطر وإدارتها بطريقة سليمة عبر تقوية أجهزة الضبط والرقابة وفرض معايير ونظم للعمل صارمة، وقواعد محاسبة دقيقة حفاظاً، ليس على سلامة العمل المصرفي فحسب، بل على مدّخرات الناس وأموالهم وتالياً حماية الاقتصاد الوطني خصوصاً لهذا البلد الصغير، لبنان، الكبير بقطاعه المصرفي وودائعه وموجوداته وانتشاره.

فالمهمة الأساسية للسلطات النقدية والمصرفية تتمثَّل بالإفادة من واقع القطاع المصرفي وظروف الإستقرار النقدي التي يمر بها لتحرير السيولة التي تملكها المصارف والعمل على توجيهها نحو تسليف القطاعات الإقتصادية الوطنية لأنه "بمقدار ما يسترد القطاع المصرفي وظيفته البديهية في توجيه المدخرات الوطنية نحو الإقتصاد الوطني بمقدار ما تكتسب المصارف الوطنية مناعة أقوى في مواجهة التحديات والأزمات".

وإنه من الملفت أن إدارة المخاطر المصرفية تطورت كثيراً في الأعوام الأخيرة بحيث أضحت إدارة المخاطر تغطي جميع النقاط التي من شأنها طرح أزمات في مصرف ما وإن المؤسسات المصرفية أصبحت تصنّف المخاطر وتضع نظاماً محدداً للتحكم بكل خطر قد تتعرض له.

إلا أنَّ الأساس يبقى بتطوير المفاهيم والأسس المتعلقة بالمخاطر المصرفية لتفاديها أو التصدي لها بشكل أفضل ووعي الإدارة السياسية في البلاد لدقَّة الظروف الداخلية والإقليمية.