تراجع أسعار النفط خلال الأسابيع الماضية، طرح مشكلة بالنسبة للعديد من الدول المنتجة والمصدرة. في حين أن الدول غير المنتجة، ستكون من الرابحين على المدى القصير، اذ أن هذا الانخفاض الملحوظ سيؤدي الى تراجع أسعار السلع والمواد التي ترتبط ارتباطا مباشرا بهذه المادة الحيوية.

وفي لبنان، تقلصت فاتورة الاستهلاك المحلي للمشتقات النفطية، بينما يتوقع أن نشهد انخفاضا في تحويلات المغتربين العاملين في البلدان التي تعتمد في ميزانياتها على ايرادات القطاع النفطي. لذلك ترانا اليوم نتأرجح بين ايجابيات وسلبيات هذا التراجع العالمي!

ولعل أكثر قطاع انتظر اللبنانيون أن يشهد تراجعا في التعرفة، هو قطاع النقل البري الذي يعتمد عليه معظم الفقراء وأصحاب الدخل المحدود. الا أنه ورغم وصول صفيحة البنزين الى أقل من 23 ألف ليرة لبنانية، لا تزال أجرة النقل على حالها.

"الاقتصاد" سأل مسؤولين ورؤساء نقابات عن أسباب عدم انخفاض تعرفة النقل في لبنان وعدم تأثرها بالأسعار العالمية.

غصن

يقول رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، كيف ستتراجع تعرفة النقل في لبنان، في الوقت الذي بدأوا بتبشرينا بفرض ضريبة اضافية على البنزين، علما أنه من المفترض أن تراجع التسعيرة وفقا للسلم المتحرك للأسعار.

وقال "عندما فرض أية ضريبة، نبحث دائما في جيوب محدودي الدخل والأجراء والعمال، وكيفية زيادة واردات الخزينة من حسابهم. وهذه اللغة التي رتبت على الناس ضرائب ورسوم كيف من الممكن أن تقبل بعد الآن؟".

وأضاف غصن أن المواطن شعر بفرح من جراء تراجع أسعار المحروقات، لكن موضوع تخفيض كلفة أسعار النقل العام، هو من مسؤولية الدولة والحكومة، التي عليها أن تتحاور مع النقابات من أجل دراسة الكلفة المنطقية للنقل، ولأسعار الخبر أيضا. فمن أين أتت الـ50 غرام الاضافية؟ وهل بدأنا بالتعاطي مع لقمة عيش الناس بالغرامات؟ ولماذا لا نراى الأسعار تنخفض عندما تتراجع أسعار لوزام كلفة الانتاج ومواد الانتاج بنفسها؟ هذا يدل على الاستهتار من الحكومة، ومن الوزراء المعنيين في شؤون وقضايا الناس. فالتاجر جشع ويريد تحقيق أرباح باهظة على حساب الناس.

وأكد أن الاتحاد العمالي العام سيبحث في جسلته المقبلة أسعار السلع وأسباب ارتفاع أسعار وعدم انخفاضها في ظل التراجع العالمي. فكل شيء مرتبط اليوم بالبترول، وكلنا نعلم أن النفط مرتبط بلقمة العيش، أي الرغيف.

قاسم

من جهته أوضح عضو هيئة التنسيق النقابية محمد قاسم، أنه مع تراجع أسعار النفط العالمية الى ما دون الـ50 دولار للبرميل الواحد، من المفترض أن نشهد انخفاضات ليس فقط على أسعار المحروقات في لبنان، بل على مختلف السلع الأساسية، ومن بينها المأكولات والمشروبات والخضار والنقل، وعمليات الشحن، ومعظم الاحتياجات التي تتطلب استخدام الوقود.

وأكد أنه يجب أن لا نحصر عملية تخفيض أسعار النفط على المواصلات فقط، لأن السائق العمومي يقع ضحية لعبء الغلاء المعيشي الذي لا يزال قائما رغم انخفاض الأسعار. وهذا لا يعني أنه لا يجدر بنا اعادة النظر في التسعيرة، بل علينا دراسة التسعيرة الشاملة.

وطلب قاسم من وزارة الاقتصاد التدخل مباشرة لمعرفة أسباب عدم انخفاض سعر الرغيف أيضا، وسبب عدم زيادة ربطة الخبز سوى 50 غرام كما يدعون. علما أن المحروقات تشكل جزءا أساسيا من كلفة انتاج الرغيف.

كما دعا الحكومة بشكل عام ووزارة الاقتصاد بشكل خاص الى التدخل المباشر في هذا الموضوع، من أجل اتخاذ القرار المناسب. اضافة الى الاسراع في دعوة لجنة المؤشر لدراسة الانعكاسات المتأتية من انخفاض أسعار النفط العالمية على كافة السلع، وعلى ربطة الخبز تحديدا. فأسعار المحروقات بدأت بالانخفاض منذ أكثر من شهرين، وحتى اليوم لم نشهد تراجعا في أي شيء سوى في سعر المحروقات في محطات الوقود.

وأكد أن كل السلع والبضائع المرتبطة بالمشتقات النفطية، يجب أن تخفض أسعارها بما يوازني كلفة المحروقات لانتاج هذه الخدمات. فمحطات البنزين خفضت حوالي 35% من أسعار البنزين والمازوت، وبالتالي يجب أن ينعكس هذا الأمر على كافة السلع المرتبطة بالمحروقات، في ظل غياب دور وزارة الاقتصاد والحكومة في هذا المجال.

طليس

بدوره أشار رئيس إتحادات النقل البري في لبنان بسام طليس، الى أن هذا الموضوع هو من مسؤولية وزارة الأشغال والنقل، فتسعيرة النقل لا تأتي فقط وفق أسعار البنزين، بل بالاستناد الى 17 عنصر آخر مثل الميكانيك، والرسوم، وأجرة السائق، والاستهلاك، وغيار الزيت، وقطع الغيار، وغيرها. وفي الماضي كانت تكلفة هذه العناصر أقل بكثير من اليوم. لكن بالنسبة الى الرأي العام، فإن انخفاض أسعار البنزين يعني انخفاض التسعيرة.

وقال "اذا احتسبنا 17 عنصرا بالاضافة الى تراجع البنزين، فلن يتجاوز الانخفاض في التسعيرة الـ150 ليرة لبنانية".

كما لفت الى أن السائق العمومي ليس بامكانه رفع أو تخفيض الأسعار من تلقاء نفسه لأن القرار يأتي من وزارة النقل.

حمدان

من ناحيته أشار الخبير الاقتصادي كمال حمدان الى أن السائق العمومي واجه الكثير من التقلبات في أسعار البنزين، فمنذ حوالي 3 سنوات مرّ في مراحل اضرابية متتالية، وأقر مجلس الوزراء دعم فصلي قدر بنحو 40 مليون دولار، لكنه قبض دفعة واحدة فقط، وحينها كان سعر النفط في مستوى معين.

وأوضح أن السائقين تكبدوا خسارة معينة وحاولوا رفع التعرفة لكن بعض العوامل حالت دون تعديلها، وخلال هذه الفترة هم يعوضون عن بعض ما فاتهم. وحكما اذا استقرت أسعار النفط على مستواها المنخفض، سوف يأتي يوم يطرح فيه موضوع تعديل أسعار التكاليف النقل.

كما لفت حمدان الى أنه لا يمكن التحكم بما سيحصل خلال سنة، وبما اذا كان انخفاض النفط هو نتيجة قرار سياسي دولي سعودي - أميركي فقط، أو هو أيضا تعبير عن واقع تبدلات عميقة في أسواق النفط في المعطيات التقنية لتكاليف الانتاج، واكتشافات جديدة خارج "أوبك"، وتحرر الولايات المتحدة من استيراد النفط بعد أن كادت تصل الى نوع من الاكتفاء الذاتي، وما يحكى عن العقوبات لدول الممانعة، بدءا من دول المنطقة هنا، أي ايران وغيرها، وصولا الى روسيا واشتباكها حاليا في حرب بادرة جديدة. وبالتالي يجب أن ننتظر بعض الوقت كي نرى ماذا ستؤول اليه هذه القضايا.

قباني

أما رئيس لجنة الاشغال النيابية النائب محمد قباني فيقول أن تراجع أسعار تعرفة النقل يجب أن يكون حتميا، لأن أسعار النفط إنخفضت أكثر من 50% منذ حزيران الماضي، لافتا الى أنه على وزارتي الإقتصاد والطاقة التحرك وإتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الموضوع، لأنه من ضمن مهامها.

وأشار قباني أنه لا يمكن لإتحادات ونقابات قطاع النقل البري بأن يتخذوا حجّة: "أن تسعيرة النقل تخضع لـ 17 عنصرا منها أسعار المحروقات"، لأنه عندما بدأت التعرفة بالإرتفاع كانت حجّتهم الوحيدة هي الإرتفاع الكبير في أسعار المحروقات، واليوم تشهد المحروقات تراجعا كبيرا لذلك يجب أن تنخفض التعرفة.