يسلم العام 2014 الى العام 2015 ملف تداعيات النزوح السوري على لبنان،الذي بات يهدد الاستقرار الامني ، والسياسي، والاقتصادي، والبيئي، والصحي، والاجتماعي والكياني فيه. فبعد حوالي 4 سنوات من اندلاع الحرب السورية لا احد يستطيع اليوم التكهّن بموعد اقتراب الحل والتوصل الى اي تسوية سياسية تسمح بعودة السوريين الهاربين الى خارج البلاد، سيما وان كل المعطيات تشير الى ان اعادة تأهيل المساكن والبنى التحتية الاساسية والقدرة الانتاجية فيها قد تتطلب الوقت الطويل مما يعني تمديد فترة اقامة النازحين في لبنان.
 
اكثر من مليون 200الف نازح سوري مسجل في لبنان حسب المفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون الللاجئين اي ما يمثل 26،3من مجموع سكان لبنان فضلا عن عدد غير محدد من غير المسجلين الذي يقيمون في كل المناطق اللبنانية مما يجعل لبنان البلد الاول على صعيد ايواء هؤلاء في المنطقة بنسبة 39%من العدد الاجمالي.  
 
رغم كل المحاولات  والدعوات من على المنابر الدولية لتقاسم الاعباء فان الحدود اللبنانية المفتوحة على مصراعيها مع سوريا لم تكف عن تصدير الويلات رغم ان وجود هؤلاء اللاجئين قد وفّر شيئاً من  الدعم للاقتصاد المحلي، من خلال الاستهلاك في السلع والاغذية والمشروبات والايجارات . الا انه في المقابل ،فان كلفة هذا الوجود تجاوزت باشواط مسألة تجنيب الاقتصاد الركود، وقد تجلت بشكل واضح في سوق العمل اللبناني الى جانب البنى التحتية الاساسية واوضاع المالية العامة للبلاد حيث من المرتقب ان يكون العجز المالي العام قد ارتفع بنسبة 2،5%  من الناتج المحلي  الاجمالي على مدى العامين الماضيين ليتجاوز 11% من الناتج المحلي الاجمالي في  نهاية العالم الحالي . 
 
ولاشك ان النفقات العامة هي في ازدياد مضطرد بفعل هذا الوجود مع ما يترتب من ارتفاع في الطلب على الخدمات العامة.
 
والجدير ذكره هنا ان مؤشرات  صندوق النقد الدولي لفتت الى ارتفاع عرض العمالة بنحو50% نهاية هذا العام بسبب تدفق اللاجئين مع تسجيل حوالي 20% كمعدل بطالة وهوخط  احمر  مقابل 11% في 2011. 
 
ووفق الصندوق فان اكثر من 60% من اللاجئين يعملون في قطاعات ذات مهارات محدودة وهم على استعداد لقبول اجور اقل بكثير من احور العمال اللبنانيين وهذا يسفر عن انكماش في مستوى الاجور وصرف للعمال اللبنانيين.  
 
تقرر انشاء صندوق ائتماني لتأمين الدعم للدول المستضيفة ولكن حتى اليوم كل الحلول المطروحة ليست مثالية والدولة اللبنانية في أزمة حقيقية في التعامل مع النزوح السوري، إذ لا توجد وحدة حقيقية في الموقف، وبغياب وضع سوري مؤهل لإعادة النازحين إلى سورية.
 
وثمة حقيقة واحدة ان هذا الوجود في لبنان بات ازمة تهدد بالانفجار الكبير سواء بقي هؤلاء وفق الانتشار العشوائي ، مثلما هو الحال اليوم، ام سواء تم وضعهم في تجمعات سكنية او مخيمات مثلما جرى التفكير به في مرحلة سابقة حتى ان هذا الموضوع  لم يعد من تداعيات الحرب السورية على لبنان، بل من تداعيات النزوح الذي باتت انعكاساته مستقلة عن تداعيات الحرب السورية تحديدا، إن الأمر بات فعلا وليس رد فعل.
 
فالنزوح بشكله الأمني والنوعي والعددي، أسقط الحدود اللبنانية ـ السورية، وضرب النسيج الاجتماعي، وغير في الديموغرافيا وبالتالي أصبح يشكل تهديدا للكيان اللبناني وللوحدة اللبنانية، واليوم هناك خشية لدى البعض من ان يتحول النزوح الى هجرة فاحتلال للبنان.
 
تحرك خجول 
 
في 24 أيار 2014، قرر مجلس الوزراء تشكيل خلية لمواجهة النزوح السوري الكثيف الى لبنان، وجرى التأكيد على ضرورة الامساك بالملف وعلى معايير دقيقة وضعت لصفة النازح، منها أن كل من يذهب إلى سوريا من النازحين المسجلين على جدول المفوضية السامية لشؤون اللاجئين يفقد صفته كنازح.
 
وفي 15 كانون الاول ،أطلق رئيس الوزراء تمام سلام ونائب الأمين العام للأمم المتحدة يان إلياسون في السراي الكبير خطة لبنان للإستجابة للأزمة. وهي تسلط الضوء على أولويات الحكومة والمجتمع الدولي للعامين المقبلين بهدف الاستجابة للأزمة التي تشهدها البلاد.
 
وفي هذا السياق، قال رئيس مجلس الوزراء اللبناني تمام سلام: “فتح اللبنانيون أبواب منازلهم لأخواتهم وأخوتهم الهاربين من النزاع في سوريا. تشاركوا معهم الأرض والمنازل والطعام والمياه. ولكن احتياجاتهم الخاصة على صعيد العمل والخدمات بحاجة الآن إلى تلبية إن أردنا تفادي أزمة في البلاد”.
 
ويكمن هدف إطلاق خطة لبنان للإستجابة للأزمة في معالجة هذه المشاكل. وتهدف الخطة التي وضعت بشكل مشترك بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة الى ضمان استفادة لبنان بشكل ملموس من الإستجابة للأزمة السورية والمساعدة على تثبيت الاستقرار في البلاد خلال هذه المرحلة الصعبة. وتتابع الخطة العمل الضروري من أجل توفير الحماية والمساعدة الإنسانية للعائلات النازحة من سوريا وفي الوقت نفسه توسيع الخطط للإستثمار في الخدمات والإقتصاد والمؤسسات اللبنانية في المناطق الأكثر فقرا والمعرضة للخطر. وتأمل الخطة التي تتطلب تمويلا يصل إلى 2,1 مليار دولار أميركي تقريبا، أن تشمل نحو 2,9 مليون شخص من الأكثر حاجة، نصفهم من اللبنانيين. 
 
هذا وقد سبق هذه الخطة اجتماع الفريق الدولي لدعم لبنان الذي نظًمته ألمانيا  في برلين وعرف بمؤتمر برلين بحضور الرئيس تمام سلام. 
 
وقد رأى البعض ان هذا  المؤتمر عمل على خلق الوعي لدى المجتمع الدولي على ضرورة ربط الشق الإنمائي من المعادلة بشق المساعدات الإنسانية التي لا تكفي وحدها بالنهوض بالمجتمعات الحاضنة والتي من دونها لم تكن الحياة لتتوفر للنازحين .
 
وباختصار ركز اجتماع برلين على موضوعين: تمويل المشاريع الإنمائية في المجتمع اللبناني من قرى ومدن حاضنة للنزوح السوري، ثم إعادة انتشار النازحين، اي  المشاركة في الأعباء بما يعني استقبال هؤلاء النازحين  في  بلدان أخرى تؤمّن لهم مستوى معيشة أفضل مما يؤمّنه لهم لبنان الذي استنفد كل طاقاته.
ولكن مهما  تم  اقراره فان هذا العبء  كبير على لبنان. 
 
واليوم سؤال واحد :تداعيات النزوح السوري على لبنان الى اين في العام 2015؟
 
زمكحل
 
رئيس تجمع رجال الاعمال اللبنانيين الدكتور فؤاد زمكحل يصفها بالمشكلة  الفعليةالاكبر اليوم .و قد تستمر ذيولها لمدة 20سنة. فمن احد اليوم يستطيع رفض تقديم المساعدة الانسانية لهؤلاء،الا انه للاسف وبكل بموضوعية التأثير السلبي هو الغالب على لبنان اقتصادياً واجتماعياً وامنياً.
 
ويقول  "لموقع النشرة الاقتصادية": المعطيات الاقتصادية تلحظ انعكاس هذا الوجود على النمو في لبنان تراجعا بنسبة 2،9%.كما ان كلفة هذه الحرب عليه هي بحدود ال 8مليارات دولار فيما النقص في الربح   manque  a gagnerهو بحدود  ال 18مليار دولار.
 
ومشكلة هذا الوجود لها انعكاسات خطيرة وذلك  :  - لان الاقتصاد اللبناني هو صغير ويكاد يكفي للبنانيين.
 
- ان البنية التحتية هي  معدومة على صعيد الكهرباء والمياه والاتصالات وهي بالكاد تلبي حاجات اللبنانيين.
 
- تفاقم البطالة يزداد بشكل كبير يرافقه ركود اقتصادي ومديونية عالية.
 
وهنا  ربما كنا نستطيع التكلم من ناحية ايجابية حيث ان هناك منافسة حقيقية لليد العاملة اللبنانية  لجهة الكلفة الاقل ولكن الواقع ليس كذلك.
 
واضاف الدكتور زمكحل: النزوح السوري صار في اتجاه بلدان عديدة مجا ورة مثل تركيا والاردن ، الاان الحصة الاكبر هي في لبنان حيث انتشر هؤلاء في كل المناطق عكس ما هو عليه الواقع في البلدان الاخرى داخل مخيمات وفي دائرة واحدة. 
 
واليوم ثمة قسم كبير منهم لا يريد العودة. وبعض المعلومات يشير الى ان هذا النزوح هو مبرّمج ومنظّم من مناطق متفق عليها بين طرفي النزاع ،وهو يستهدف فئة من السوريين غير المنتجين الذين يشكلون العبءالكبير على الدولة السورية . وبالتالي حتى لو تغير النظام فان هؤلاءلن يعمل على  تسهيل عودتهم.
 
وابعد من ذلك، تسرّبت المعلومات حول مجيء قسم من السوريين الى لبنان اثناء مرحلة الانتخابات الرئاسية في سوريا  لكي يصوتون دون ان يعودوا.
 
ولا يجب بالتالي  التغاضي عن تهديد الوضع الامني بفعل هذا الوجود اذا ما اعتبرنا ان بين هؤلاء اليوم نسبة 10% من فئة الشباب القادر عاى التأثير امنياً اي ما يعادل 150 الف رجل  اذا اعتبرنا ان عددهم الاجمالي هو مليون ونصف المليون سوري مقابل عدد محدود من العناصر الامنية اللبنانية  القادرة والمؤهلة على ضبط الاوضاع.
 
ويتابع : من واجبنا مساعدة اي محتاج على اراضينا والحفاظ على كرامته. ولكن ذلك يجب ان يكون ضمن حدود طاقته  في الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية . 
 
فالمساعدات  الخارجية لن تستمر الى مالا نهاية او الى عقود . ولا ننسى اليوم ان هناك ما يناهز 175 الف فرد جديد في لبنان يعيشون تحت خط الفقر اي تحت دولارين في اليوم مما يعني ان عدد الفقراء اللبنانيين مستمر في التزايد.
 
فاندماج النازحين السوريين في المجتمع اللبناني الذي بتنا نشاهدهو خطير. والاهم ان هذا الانخراط هو مبرمج في ضوء حرب سورية لا خاتمة لها وحلول على الاقل لن توفر العودة الى هؤلاء لاعتبارات عديدة. والحق يقال ان كل الحلول ليست سوى مهدئات علما ان شعبين لا يستطيعان العيش ضمن مساحة بلد صغير كلبنان، موارده محدودة وبنيته التحتية منهوكة. واذا لم توفر مقومات العيش الكريم لهذه الفئة سيتحول القسم الاكبر منها الى فئة المجرمين  وهنا الخطر الاكبر.
 
وعن الحلول الممكنة، يراها  الدكتور زمكحل في اقامة مخيمات كبيرة مجهّزة خارج الحدود تحت مظلة دولية . وقد تكون في Zone Tampon على الحدود في مناطق لاهي لبنانية ولاهي سورية بحماية دولية.
 
من هنا فان هذا الواقع في العام 2015،وسط الانقسام السياسي والشلل الدستوري، والنزاع الاقليمي مع ما يرافقه من معطيات اقتصادية حول تراجع اسعار النفط، وتضاءل المساعدات العربية  وضعف القوة الشرائية لن يكون سليماً ً ابداً خصوصاً وان الوجود السوري  المنتج في لبنان لا يصب في الدورة الاقتصادية اللبنانية بل يخرج الى الداخل السوري وبالتالي لبنان لم يستفد من اي استثمار سوري جديد بطريقة تكاملية.
 
ملف النزوح السوري في لبنان يتابع فصوله وسط مخاوف جدية من ان يتحول الى توطين آخر بغياب الاهتمام الدولي الجدي، سيما وانه همس الى بعض المسؤولين في لبنان بضرورة التكيّف معه.