لاشك ان ​قطاع التأمين​ هو احدى القطاعات المرتبطة بالوضع الاقتصادي وهو يسّجل النمو في حال كان ناشطاً او يشهد التراجع في حال سيطر الركود .

ولقد شهدت صناعة التأمين في منطقة الشرق الأوسط نموّا مُطّردا في السنوات القليلة الفائتة، مدعومة بالتطور الاقتصادي الذي تعيشه المنطقة، وزيادة معدلات الإنفاق الحكومي، والنمو السكاني، إضافة إلى البيئة الرقابية المتنامية بشكل إيجابي، والأهم من ذلك كله، الوعي المتنامي حول الحاجة إلى التأمين وأهميته، وفق تصريح للرئيس التنفيذي لملتقى الشرق الأوسط العاشر للتأمين 2014 ديفيد ماكلين.

ومن المعروف  ايضا ان التركيبة السكانية المواتية، وارتفاع مداخيل الافراد، وزيادة أعداد المغتربين، ، كلها عوامل أسهمت بدورها  في تعزيز نمو القطاع وازدهاره.

الا انه في المقلب الآخر، هناك رأي يقول ان  صناعة التأمين في العالم تأثرت  في السنوات الأخيرة ومنذ عام 2008 بالأزمة المالية العالمية ، بالإضافة إلى آثار العولمة و حالة عدم التأكد من الإستثمارات السوقية وكذلك الهجمات الإرهابية و التي انعكست بشكل بالغ على هذه الصناعة ، و لكنها بالطبع تحقق الفائدة للشركات العاملة وتعطيها نوعا ما ضمانات للعمل.

و​لبنان​ اليوم الذي يعيش في حالة اقتصاد غير مستقر ، ويعاني من تراجع للقدرة الشرائية  في ضوء تهديدات للارهابيين وترقب للاحداث الامنية والسياسية غير المطمئنة في اي موقع التأمين فيه؟   

زخور

الرئيس السابق لجمعية شركات الضمان في لبنان و المستشار في شؤون التأمين جوزف زخور يعتبر انه بالمقارنة عما هي عليه صناعة التأمين في العالم اجمع، تبدو صناعة التأمين في لبنان افضل حالاً، من حيث نسبة النمو التي تحققها سنويا.

ففي حين لم تتجاوز نسبة نمو الاقساط في العالم اجمع ومنذ اندلاع الازمة المالية العالمية سنة 2008،  2 بالمئة، سجلّت شركات التأمين في لبنان نمواً يتراوح بين 4 و6.5 بالمئة سنويا.

ويقول زخور لـ "الإقتصاد": ما يزال العالم يعاني من تداعيات تلك الازمة. الدول الصناعية تشهد ركوداً وتراجعاً لصادراتها، وتتضاءل يوماً بعد يوم القوة الشرائية للمستهلكين وهذا ما يجعل الصناعات الكبيرة والمصارف في تلك الدول تعمد الى تقليص نفقاتها الادارية من خلال صرف اعداد كبيرة من العاملين لديها. وبذلك ارتفع مستوى البطالة على امتداد العالم.

وبالتالي فاقساط التأمين ترتفع وتتراجع  طبقا ً لارتفاع وانخفاض النشاط الاقتصادي، ولذا لم تتجاوز نسبة نمو الاقساط في العالم اجمع 2 بالمئة مقابل 10 بالمئة او ما يزيد عن ذلك قبل العام 2008.

اما كيف ينعكس ظهور الفكر الارهابي على قطاع التأمين؟

فيشير زخور الى ان الحروب واعمال العنف التي شهدتها دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا تؤذي الاقتصاد ليس في الدول المضطربة فحسب بل وفي جميع انحاء العالم... وهذا ما يزيد من رداءة الاحوال الاقتصادية في معظم انحاء العالم.

وفي المقابل، هناك  قطاعات معينة ومحدودة جداً تستفيد من تلك الحروب واعمال العنف، لاسيما مصنّعو الاسلحة والذخائر. وشركات التأمين تستفيد ايضا الى حد معين من اضطراب الاوضاع الامنية، لانه يؤدي الى  ارتفاع  الطلب على التأمين ضد اعمال العنف السياسي Violence Political حيث  يتم جني مقابل تأمين تلك الاحداث اقساطاً مرتفعة.

الا ان شركات التأمين تفقد في مقابل ذلك فرص تغطية تأمينات المقاولات والاستيراد والتصدير، بفعل عزوف المستثمرين عن تنفيذ مشاريع جديدة وتباطؤ الحركة الاقتصادية.

وزراء خذلوا في تحقيق التأمين الالزامي

ومع تراجع القدرة الشرائية لدى اللبنانيين هل يمكن  اعتبار ان هناك  نمو في الطلب على التأمين  في لبنان؟

فوفق زخور لبنان، هو من الدول القليلة في العالم التي لم توّفر لمواطينها الرعاية الصحية.  

والحكومات المتعاقبة اخفقت في تنفيذ المرحلة الرابعة من قانون الضمان الاجتماعي الذي اصدره المرحوم الرئيس فؤاد شهاب سنة 1965، والذي يقضي في مرحلته الرابعة بضمان جميع اللبنانيين صحياً في مرحلة الشيخوخة.

وآخر الوزراء الذين حاولوا ان يحققوا الرعاية الصحية لجميع اللبنانيين كان وزير العمل شربل نحاس الا انهم خذلوه فاضطر الى الاستقالة.

كما ان وزير الصحة السابق الدكتور محمد جواد خليفة، اعد مشروع قانون يقضي بجعل التأمين الصحي الزامياً لجميع اللبنانيين مقابل قسط يتراوح بين 100 و 200 دولار اميركي سنويا لكل فرد وعائلة لبنانية. الا ان السياسيين خذلوه ايضاً، وبقي المشروع حبراً على ورق.

وهذا الواقع المؤلم هو الذي يدفع باللبنانيين غير المضمونين صحيا، والمقتدرين مالياً، الى ابرام عقود تأمين صحي على نفقتهم الخاصة وبتكلفة عالية .

ورغم ان عدد المقتدرين مالياً من العائلات اللبنانية لا يتجاوز 15 بالمئة من مجموع اللبنانيين فان اقبال هؤلاء على ابرام عقود التأمين لدى شركات التأمين الخاصة وصناديق التعاضد الصحي التجارية "غير التابعة لنقابات" يجعل عقود التأمين الصحي في لبنان "حاجة" لا بد منها لكل فرد وعائلة لبنانية.

ولذلك فان نسبة اقساط التأمين الصحي في لبنان ارتفعت الى 52 بالمئة من مجموع الاقساط المكتتبة في لبنان والبالغة 1.2 مليار دولار اميركي.

تحديات القطاع

وعن ابرز التحديات التي يواجهها قطاع التأمين في لبنان يرى ان الارتفاع المطرد لاجور الطبابة والتكلفة الاستشفائية، هو التحدي الاهم الذي تواجهه شركات التأمين اليوم.

ذلك ان التكلفة المرتفعة تقلص عدد القادرين على تحملها، وبالتالي تخفض عدد الزبائن المتعاقدين مع شركات التأمين وصناديق التعاضد الصحي التجارية.

والجدير ذكره هنا انه قبل سنوات  افلست شركات عديدة تحت وطأة الخسائر التي نزلت بها جراء مزاولة التأمين الصحي باسعار متدينة.

ويقول زخور :لا اخفي، انني اتخوف من وقوع بعض شركات التأمين الصحية، وصناديق التعاضد الصحي التجارية في عجز مالي، قد ينهي وجودها.

استحواذ ودمج

تحقيق الملاءة المناسبة لتوسيع قاعدة الخدمات وتأمين الاستمرارية اصبح  هدفا في بعض الدول التي تعطي للتـامين الاولوية في توفير الرعاية الصحية فهل هذا ينطبق في كل البلدان؟

برأي زخوران الاستحواذ والدمج جاريان على قدم وساق في الدول الصناعية.

اما في لبنان والدول العربية الاخرى فقلما نشهد عملية دمج او استحواذ وذلك يعود الى ان معظم المؤسسات مقبوض عليها من قبل امراء او عائلات والخلفية الثقافية لهولاء تجعلهم يمسكون بقبضتهم على مؤسسأتهم ولا يريدون لاحد ان يشارك معهم او يقاسمهم  سيادتهم عليها.

وعن تقديره لقيمة الاقساط في العام 2014 توقع زخور ان تكون قد حققت زيادة بما نسبتها بين 5و6%.