مازال التراجع الكبير في أسعار النفط هو الحدث الأبرز خلال الفترة الأخيرة،  وقد تمحورت معظم النقاشات حول العوامل التي تسببت بركود السوق والآثار السلبية التي قد تواجهها الدول المصدرة الرئيسية، لاسيما من حيث الاستدامة المالية وسط الزيادة الكبيرة في الإنفاق الجاري والإنفاق الاستثماري على الخطط المستقبلية.

إلا أن لهذا الإنخفاض آثار إيجابية كبيرة على الدول غير المنتجة للنفط ومنها لبنان، حيث يساهم سعر البرميل الجديد (الذي إقترب من 68 دولار للبرميل) بخفض الفاتورة النفطية لهذه الدول وإنعاش معظم القطاعات التي تدخل المشتقات النفطية كعامل رئيسي فيها.

وفي هذا السياق قال رئيس مجموعة "براكس النفطية" جورج براكس في حديث خاص مع "الإقتصاد" أن الأسباب الطبيعية لتراجع او إرتفاع سعر برميل النفط كانت تتعلق في السابق بمعدلات نمو الإقتصاد ، بالإضافة الى حجم الإنتاج الصناعي في الصين، ونسب إستقرار الأسواق الأوروبية... الى ما هنالك.

ولكن اليوم هناك عامل أخر يلعب الدور الرئيسي في تراجع أسعار النفط، وهو العامل الجيوسياسي والجيوإقتصادي في المنطقة، حيث أن الولايات المتحدة تنتهج سياسة بالتعاون مع حلفائها المنتجين للنفط في الخليج - على رأسهم المملكة العربية السعودية - لإستخدام النفط كسلاح ووسيلة ضغط على دول مثل روسيا وإيران من أجل خفض إيراداتهم النفطية (الخسائر يمكن أن تصل الى 100 مليار دولار سنويا في روسيا)، وبالتالي تحقيق مكاسب سياسية في سوريا والعراق وأوكرانيا.

وأضاف براكس أنه لا يوجد أي إشارة لعودة إرتفاع سعر البرميل في المدى القريب وذلك لأسباب عدة، فالولايات المتحدة لديها إكتفاء ذاتي من النفط في الوقت الحالي، كما أن الدول الأوروبية التي لا تعد دول نفطية، مرتاحة لهذه الأسعار لأنها تساهم في خفض فاتورتها النفطية بشكل كبير، وكذلك دول شرق أسيا الصناعية مثل كوريا واليابان والصين وغيرها.

وإعتبر أن لبنان يمكن أن يستقيد كثيرا من هذا الإنخفاض، وإرتداداته ستكون إيجابية على أكثر من صعيد، حيث أن كلفة الفاتورة الصناعية ستنخفض بالدرجة الأولى،وكذلك  كلفة السلع التجارية، إضافة الى المشتقات النفطية من البنزين والمازوت والكاز وغيرها.

وفي سؤال عن مدى إستفادة شركة كهرباء لبنان من إنخفاض الأسعار قال براكس أن الفاتورة النفطية للمؤسسة ستنخفض بنسبة جيدة، وهذا يجب أن ينعكس إيجابا على ساعات التغذية، "ولكن للأسف في لبنان حسابات الورق تختلف دائما عن التطبيق والواقع".

أما بالنسبة للتراجع الداخلي لأسعار المشتقات النفطية قال براكس أن المستهلك اللبناني لن يشعر بهذا التراجع الكبير إلا تدريجيا، لأن تركيبة الأسعار في لبنان أسبوعية، وبالتالي فإن وزارة الطاقة تجري عملياتها الحسابية لأسعار المشتقات النفطية داخليا بالإعتماد على معدل الأسعار العالمية في أخر أربعة أسابيع، وبهذه الطريقة لن يكون التراجع كبير داخليا إلا بشكل تدريجي.

وهذا الجدول المعتمد في وزارة الطاقة هو سلاح ذو حدين، لأنه عندما ترتفع أسعار النفط لا يشعر المواطن فورا بالإرتفاع، وكذلك عندما تنخفض الأسعار لن يشعر فورا بالتراجع.

من جانبه قال الخبير الإقتصادي وليد أبوسليمان أن المستفيد الأول من إنخفاض أسعار النفط العالمية هو القطاع الصناعي اللبناني، خصوصا أننا ندفع في لبنان فاتورتين للطاقة أو الكهرباء (فاتورة الكهرباء،  فاتورة المولّد)،  وبالتالي فإن إنخفاض قيمة هذه الفواتير سينعكس إيجابا على كلفة الإنتاج وعلى القطاع الصناعي بشكل عام.

وأضاف أن التأثير الإيجابي لهذا الموضوع سيطال النشاط الإستهلاكي للمواطن، كما أن العجز في الفاتورة النفطية للدولة اللبنانية سينخفض وبالتالي سينعكس إيجابا على الوضع المالي.

ولفت أبوسليمان الى أن مؤسسة كهرباء لبنان ستستفيد أيضا من هذا التراجع في أسعار النفط العالمية، خصوصا أن جزء كبير من عجزها آتٍ من فواتير النفط.

وختم بأن النفط يدخل بشكل مباشر في عملية تصنيع نسبة كبير من المواد الإستهلاكية، وهذا سيساهم في خفض أسعار هذه السلع، مما سيحرك العجلة الإقتصادية ويزيد القدرة الشرائية للمواطن، لافتا الى أن هذا الأمر يتوقف على الدور الذي يجب أن تلعبه مصلحة حماية المستهلك ووزارة الإقتصاد من خلال مراقبة الأسعار التي يجب أن تبدأ بالإنخفاض.