لا يختلف احد من عمال، واصحاب عمل  وحتى ايضاً المسؤولون الرسميون على ان الوضع المعيشي في لبنان وصل الى الخط الاحمر بفعل الاحداث الامنية المحلية والاقليمية ، وارتداداتها الخطيرة على دورة الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، بالإضافة إلى التراجع الدراماتيكي في القدرة الشرائية للأجور، مما أدى إلى تراجع في نمو العديد من قطاعات الإنتاج.

شهد مؤشر الاستهلاك ارتفاعات متفاوتة في الأسعار، وخصوصا في الإنفاق على الأبواب الرئيسية من سكن وتعليم ونقل واتصالات وخدمات، ولاسيما خدمات الكهرباء والمياه التي هي أولويات الشرائح المتدنية الدخل، كما أن تبعات الحرب على سوريا وما أنتجته من نزوح تجاوز المليون ونصف المليون مواطن سوري، ارخى بكل ثقله على هذا الاقتصاد الذي يفقد كل متنفس له .

ومن الطبيعي في ضوء هذه المعطيات ان يستفيق الاتحاد العمالي  ويرفع الصوت عاليا من اجل تصحيح الاجور التي تراوح مكانها  منذ العام 2012 ، وبالمقابل ان تصّد الهيئات الاقتصادية آذانها لسماع هذا المطلب خصوصاً وان عدداً من المؤسسات والشركات قد اقفل ابوابه، او قد سّرح جزءا من عماله ليرفع عدد العاطلين عن العمل. واذ ترى الهيئات أن مطالب العمال دائما مشروعة، فأن الهم الأكبر  بالنسبة اليها ليس حقوق العمال  فقط بل المحافظة على المؤسسات وأرباحها المعقولة على حساب اليد العاملة  التي يفترض بها، التكامل والتعاون مع أصحاب العمل وليس  تصعيد الموقف  من أجل انتزاع حقوقها المكتسبة.

اما بالنسبة للدولة ، فهي في ثبات طويل منذ زمن بعيد وغائبة عن اي حق و حقوق للانسان، ومجلس النواب ما زال يعيش هاجس تأمين التمويل لسلسلة الرتب والرواتب .

باختصار فان اي مطلب لزيادة الاجور ورفع الحد الادنى الذي هو "بيت القصيد " لن يكون سهلاً ولن يكون قريباً رغم كل المؤشرات التي تصبّ في خانة موجبات هذه الزيادة المحقة.

"يميل الناس الى نسيان واجباتهم وتذّكر حقوقهم "  كما قالت  انديرا غاندي.

وهناك قول أخر مأثور للصناعي المشهورهنري فورد مفاده:

"ليس صاحب العمل هو من يدفع الاجور بل المنتج هو من يدفع ذلك."

وتعرف منظمة  العمل الدولية الحد الأدنى للأجور بأنه الحد الأدنى الواجب إعطائه للعمال  فى دولة ما بحيث يكفل الاحتياجات الدنيا للعامل وأسرته فى ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة.

واليوم  يطالب الاتحاد العمالي العام بحسم أرقام مؤشر الغلاء وفقا للمعطيات التي قدمها ، والتي تشير إلى نسبة 38.5% كنسبة غلاء معيشة وتضخم، ورفعها إلى مجلس الوزراء لإقرار تصحيح الأجور وفقا للقانون 36/67 المتعلق بتعيين الحد الأدنى للأجور ونسب غلاء المعيشة، واستنادا الى الاتفاق الموقع بين الاتحاد والهيئات الاقتصادية في مطلع عام 2012، بحيث لا تتراكم مجددا تلك الأرقام وتصبح عبئا على الاقتصاد وبؤسا على المجتمع، فتزيد في الانحدار إلى مستويات الفقر الأدنى.

هل ان الحد الادنى للاجر المطبق اليوم كاف لتسديد احتياجات العامل؟

وهل  بمنظار المراقبين مطلب الاتحاد العمالي في موقعه؟

حبيقه

يقول الخبير الاقتصادي د. لويس حبيقه انه يجب تصحيح الاجور سنويا بنسبة 5% فلا تتراكم الزيادات محملة صاحب العمل العبء الكبير عن طريق تسديدها دفعة واحدة.

وهذه الزيادة من المفترض مواكبتها مع نسبة مؤشر الغلاء السنوية مما يعكس الارتياح عند طرفي الانتاج العامل ورب العمل.

ان زيادة الاجور هي حق مكتسب للعامل ومن واجب القطاعات تسديد هذا الحق بنسب معقولة. ومن المعروف ان القطاع الخاص في الدول الاجنبية يعتمد على نسبة مؤقتة من الزيادات السنويةً.

اما  في ما يتعلق بما يطرحه الاتحاد العمالي من رقم للزيادة  كما جاء في مطلبه و حسب أرقام مؤشر الغلاء ووفقا للمعطيات التي قدمها نسبة 38.5% كنسبة غلاء معيشة وتضخم، فاعتبر د. حبيقه انه رقم غير قابل للاستيعاب من قبل القطاعات الاقتصادية في هذه المرحلة الحرجة ، فيما انه لو تم اللجوء الى الزيادة بنسبة صغيرة وبشكل سنوي فان النتيجة ستكون افضل، لان القدرة الشرائية ستتحسن كما ان الدورة الاقتصادية ستسير بشكل افضل.

وبرأي حبيقه الحد الادنى للاجر ليس هاما لانه ما من احد يعتاش منه اليوم . فال 675 الف ليرة لاتكفي اي فرد. من هنا نرى ان الذي يتقاضى هذا الراتب لديه مدخول  ثان من عمل آخر.

ويعتبر ان حد ادنى ب 750 الف ليرة شهريا اليوم هو مقبول الى جانب مورد آخر من عمل ثان يؤمن له ال 1000دولار شهرياً. فالحد الادنى للاجر هو مؤشر والاهم اليوم للفرد هو تأمين المسكن، خصوصاً وان ايجارات السكن هي مرتفعة قياساً على الراتب الشهري الذي لا يكفي لسدادها، سيما وانها لا تقل عن ال300دولار في الشهر .

وباعتقاده ان الاصرار على اكثر من الرقم 750الف ليرة شهريا كحد ادنى للاجر سترفضه الهيئات الاقتصادية لانه سيؤدي حتما الى اقفال العديد من الشركات وتشريد العمال. ويقول د. حبيقه لموقع "النشرة الاقتصادي " قد سمعت من عدد كبير من الهيئات الاقتصادية ان اي زيادة سنوية بنسبة 5% على الرواتب والاجور قابلة للاستيعاب والتطبيق بدون ان تنتج  اي تضخّم .

وبالمقارنة مع ما يطبق في العالم اليوم يشير الى اننا بعيدون عما هو عليه الحد الادنى المنخفض في كل من الهند وسيريلانكا، ولكن ايضا بعيدين عما هو عليه في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الاميركية وغيرها من البلدان الصناعية المتطورة.

ويتابع حبيقه :لا يجب ان ننسى ابداً اننا بلد مستورد؛ فنحن نشتري معظم السلع ومعظم الاجر يذهب في اتجاه الشراء . واذا كان الحد الادنى في الهند منحفضاً فهي بلد منتج عندها نوعا من الاكتفاء الذاتي.

ويؤكد حبيقة ان لبنان تأخر  كثيراً في الحرب وهو لم يعمد الى اي تصحيح للرواتب والاجور . وهذا كان نتيجة سياسات حكومية خاطئة متتالية، الى جانب تقصير فاضح للاتحاد العمالي المشرذم والمسيّس وغير الكفوء وايضا الى لا مبالاة قطاع الاعمال الخاص. لذا على الدولة اليوم ان ترعى اي اجتماع بين فرقاء الانتاج يتم في هذا الصدد مع اعطاء التوصية باقرار الزيادة السنوية المقبولة. فنحن اليوم بحاجة الى قيادة جديدة في كل القطاعات ، لرؤية اقتصادية واجتماعية جديدة تحرّك الانتاج وتعطي العامل والموظف حقه.

نغمة المطالبة بتصحيح الاجور قد تعود الى منابر الاتحاد العمالي، الا ان فتح النقاش حولها لن يكون سهلا في ضوء رزمة الاستحقاقات السياسية والامنية من جهة ، و مأزق تمويل السلسلة من جهة اخرى.  من هنا فان امامها  ستكون عين الاتحاد العمالي بصيرة  فيما ستبقى يد  اصحاب قطاع الاعمال قصيرة .

الحد الأدنى للأجر في العالم

ومن المعلوم ان للحد الادنى للاجر الذي  يعتبر مؤشر لكثير من الحسابات الاقتصادية والمالية تاريخ منذ بوشر الاعتماد عليه في بناء التوازن الاجتماعي . وبعض الدول يطبقه على كل ساعة عمل  والبعض الاخر يطبقه شهريا. وقد  طبق لأول مرة في نيوزيلندا عند نهاية القرن الـ 19. وبدأ ينتشر في دول العالم في القرن الـ 20 وطبق في الولايات المتحدة في نهاية الثلاثينيات من القرن الـ 20. وحدد الحد الأدنى للأجور بربع دولار في الساعة عند بداية تطبيقه في الولايات المتحدة ورفع عدة مرات بحيث انه يختلف بين ولاية واخرى وتوجد حالياً 21 ولاية من بينها واشنطن دي سي، لديها حد أدنى للأجور يزيد على المستوى الفيدرالي (7،25   دولار)، وتقوم 11 ولاية منها برفع هذا الحد سنوياً لمجاراة التضخم. وتسجل واشنطن حالياً أعلى المعدلات (9،32 دولار)، بينما قررت كاليفورنيا رفع الحد الأدنى إلى 10 دولارات اعتباراً من تموز 2016.

وقامت أكثر من 120 مدينة ومقاطعة بوضع قوانين تحدد معايير الأجور، يتراوح بعضها بين 12 و15دولارا في الساعة .

أما المملكة المتحدة فلم تطبقه إلا في وقت متأخر وكانت المعارضة شديدة من أصحاب الأعمال والمحافظين، ولكن مع مرور عدة سنوات حظي بالقبول. ويوجد في المملكة المتحدة ثلاثة مستويات للحد الأدنى للأجور؛ للعاملين الذين تتجاوز أعمارهم 22 عاماً، وللعاملين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و21 عاماً، وللعاملين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عاماً. وفي  فرنسا يجري تعديله بشكل سنوي. وتوجد حدود دنيا للأجور في اليابان ولكنها تتوقف على المنطقة والصناعة. ولا توجد تشريعات للحد الأدنى للأجور في بعض الدول ولكن وجود اتحادات عمالية قوية يفرض حدوداً دنيا للأجور مما يجعلها مطبقةً على أرض الواقع، ومن هذه الدول ألمانيا وسويسرا والدنمارك وإيطاليا والسويد والنمسا. وتطبق بعض الدول مثل الصين وروسيا والبرازيل حدوداً دنيا للأجور الشهرية.

وفي ما يلي الحد الادنى للاجرالشهري المطبق في بعض الدول:

بلجيكا : 2627 دولارا .

قبرص 2500دولار.

فرنسا : 2953دولارا.

المانيا : 2824دولارا .

اليونان: 976دولارا.

ايطاليا: 2643 دولارا .

روسيا : 688دولارا .

موناكو:  6077دولارا.

اسبانيا : 2220 دولارا.

سويسرا : 5600دولار.

تركيا : 779دولاراً.

بريطانيا: 3460دولارا.

ويدور جدل مماثل فى أوروبا التى تعانى من أزمة اقتصادية حول تحديد قيمة الأجر الذى ينبغى للعامل الحصول عليه ليتعيش، والذى يختلف من دولة لأخرى وفقا لمستويات المعيشة بها وقوة اقتصادها، فبينما يحصل العاملون فى المجر وسلوفاكيا وليتوانيا ولاتفيا وهى دول سابقة بالكتل الشرقية السوفيتية على 2 يورو مقابل كل ساعة عمل كحد أدنى للأجر يرتفع هذا الرقم إلى تسعة يورو فى فرنسا وبلجيكا و11 يورو فى لوكسمبورج التى تعد الأعلى فى أوروبا، حيث يبلغ الحد الأدنى للأجور فيها إلى 1874 يورو شهريا تليها بلجيكا (1502) وهولندا (1478) فإيرلندا (1462) ثم فرنسا (1430) وبريطانيا (1190)، بينما تأتى بلغاريا فى المؤخرة (159 يورو). بينما لا يطبق الحد الأدنى للأجور فى ألمانيا سوى فى مجموعة صغيرة من القطاعات التى تكون فيها النقابات العمالية قوية لتتمكن من التوصل إلى اتفاقيات مع أرباب العمل غير أنه لا يوجد حد أدنى واضح مطبق على الصعيد القومى فى ألمانيا.